قصة نورا وسالم: عندما يولد الأمل من رحم الظلام والمعاناة

في إحدى القرى البعيدة حيث تخبئ البيوت أسرارًا لا يتحدث عنها الناس إلا همسًا، كانت تعيش امرأة تدعى نورا. لم تكن نورا من النساء اللواتي يثرن الانتباه، بل كانت هادئة، رقيقة الطبع، مطرقة الرأس دائمًا، وكأن على كتفيها حمل الدنيا بأسرها. تزوجت نورا من رجل يدعى سالم، رجل قاسٍ غليظ اللسان، يعلو صوته قبل يده، فلا تسلم منه نفس ولا جسد. كانت نورا تتحمل لأجل ما بقي لها من صبر، أو ربما لأجل شيء دفين لا تعلمه، لكنها كانت تصبر.

في ليلة شتوية موحشة، والريح تعوي بين الأشجار ونافذة البيت ترتجف كأنها تبكي، وُلد سيف، ابن نورا. لم يكن حضوره في الحياة حدثًا يُحتفى به ، بل كان فاجعة في عين سالم الذي صرخ قائلًا: “ولد! من قال إني أريد ولدًا؟”. ارتعش قلب نورا ونظرت إلى ابنها الصغير بين يديها، كان ضعيفًا وردي الوجه، لا حول له ولا قوة. همست له: “سأحميك حتى إن كلفني ذلك حياتي”.

منذ تلك الليلة، بدأت الظلال تخيم على حياة نورا. لم يعد سالم ينام في البيت أو يعود إليه إلا سكرانًا أو غاضبًا. لم يقترب من سيف إلا وعيناه تشتعلان كراهية. كانت نورا لا تنام، تحتضن ابنها طوال الليل وتخشى أن يُنتزع منها فجأة. في قلبها سؤال لا ينطفئ: “لِمَ يكرهه؟ ما ذنبه؟” ، لكن الجواب لم يكن في متناولها.

مضت الأيام، ولم تكن نورا تعرف النوم إلا على أطراف القلق، ولا الطمأنينة إلا وهمًا تخادع به قلبها. كان سيف يكبر قليلًا، لكن ليس كما يكبر الأطفال في أحضان آبائهم، بل كان يكبر كما تنمو الزهرة في صخر لا ماء ولا ظل. فقط أم تقاتل كي تبقيه على قيد الحنان.

في إحدى الليالي، عاد سالم إلى البيت على غير عادته. طرق الباب بعنف وصوته يهدر كالرعد. ارتجفت نورا وكانت ترضع سيفًا فضّمته إلى صدرها كأنها تخفيه من الموت. فتحت الباب ببطء ونظرت إلى وجه زوجها، فعرفت أن الشر قد دخل بيتها. قال بصوت متقطع من السكر والغضب: “جئت أبحث عن ذلك الطفل الشؤم، أين هو؟”. جفّ حلق نورا وقالت بصوت خافت: “نائم، أرجوك يا سالم، دعه، إنه لا يفقه شيئًا”. رفع سالم يده وصفعها صفعة مزّقت سكون الليل. قال بنبرة مخيفة: “والله لو بقي في هذا البيت لأدفننه بيدي”.

تراجعت نورا وذراعاها تلتفان حول ابنها كجناحي حمامة مذعورة. قضت تلك الليلة جالسة في الزاوية، لا تغفو، لا تتكلم، لا تأكل، لا تبكي، فقط تحدق في السقف كأنها تنتظر شيئًا. في الصباح، خرج سالم تاركًا وراءه الباب مفتوحًا وقلقًا ينهش قلب نورا. سألت نفسها مرارًا: “ماذا لو عاد فعلًا ليفعلها؟ هل أصدق؟ هل أهرب؟”.

في ذلك اليوم، بينما كانت تقلب الأمور في رأسها، دقت على الباب امرأة عجوز تدعى أم خديجة. كانت تُعرف بالحكمة وتحب نورا منذ صباها. قالت لها بصوت منخفض: “يا ابنتي، رأيت سالم البارحة، كان يتكلم بكلام غير مترابط ويقول لن أرى ذلك الولد مجددًا”. تجمدت نورا وبدأ يتشكل في قلبها قرار غريب ومستحيل، لكنه كان يقترب.

مضت ساعات النهار بطيئة كأن الزمن نفسه يخاف أن يتحرك. جلست نورا في صمت تحتضن سيفًا، تنظر إليه وكأنها تنظر إليه لآخر مرة. دخلت عليها العجوز أم خديجة وهمست: “لا تفكري بالظلم، فالظلم له وقت والله لا يضيع المظالم”. نظرت نورا إليها بحزن وقالت: “وإذا جاء الظلم في شكل زوج، فهل أبقى أراقبه حتى يقتل قلبي؟”.

أطرقت أم خديجة رأسها ثم أمسكت بيد نورا وقالت: “الهروب ليس عيبًا إن كان فيه نجاة”. لكن نورا لم تفكر بالهرب، لم يكن لها أهل أو مأوى. وفي الليل، بينما كانت ترضع سيفًا، سقطت دمعة على خده الصغير فقالت: “سأبعدك عنه ولو أخذتك إلى آخر الدنيا”.

خطر في بالها أمر رهيب بل أقرب للجنون: “أخفيه هناك في قبر فارغ ليومين أو ثلاثة حتى أجد مخرجًا”. انهارت على ركبتيها من شناعة الفكرة، لكن وجه سيف البريء وصوت سالم المخيف وتلك الليلة الماضية كانت تدفعها نحو هذا المصير المجنون.

في اليوم التالي، خرجت نورا قبل الفجر، لفت ابنها بغطاء صوفي قديم وحملته في صدرها، وكانت عيناها تحدقان في الطريق الترابي الذي يقود إلى المدافن. لما وصلت، دخلت مقبرة قديمة فيها قبر صغير مفتوح. ركعت بجواره وهمست وهي تجهش بالبكاء: “يا رب لا تؤاخذني، هو بين يديك، أنت أرحم له”. وضعت سيفًا داخله وغطته بالقماش فقط دون تراب. ثم قالت بصوت مرتجف: “سأعود غدًا كل يوم حتى أخرجك، أقسم بذلك يا قرة عيني”. وغادرت تمشي كأنها فقدت روحها هناك.

عادت نورا من المقابر وقلبها ليس في صدرها بل مدفون هناك في ذلك اللحد البارد. سارت إلى بيتها والهواء يصفر كأنه يعاتبها، والريح تقول: “ما فعلته يا نورا لا يُفعل حتى بالموتى”. لكنها لم تكن تسمع. كانت تمشي ولا ترى شيئًا، لا الطرق ولا الشجر ولا حتى الدموع على خدها. حين وصلت إلى بيتها، رأت سالم جالسًا أمام الباب كأنه ذئب ينتظر فريسته. نظر إليها بعين ضيقة وسأل: “أين كنتِ؟”. قالت وهي تحاول ألا يرتجف صوتها: “في السوق، أشتري طعامًا”. أومأ برأسه ثم نظر خلفها وسأل: “وأين الولد؟”. تجمدت نورا ثم وضعت يدها على بطنها وقالت: “نائم، تركته في الحجرة”. لم يعلّق، لكن عينيه ظلتا تراقبها كما يراقب الصياد ثعلبًا مجروحًا. دخلت نورا الحجرة وأغلقت الباب على نفسها ثم سقطت على الأرض تبكي.

في اليوم التالي، خرجت نورا قبل طلوع الشمس وذهبت إلى المقابر. يدها ترتجف وهي تزيح الغطاء عن اللحد وقلبها على وشك أن يتوقف. لكنها حين نظرت، رأت سيفًا حيًا يبكي، وجهه متورد وشفاهه جافة، لكنه حي يرزق. أخذته فورًا وضغطته على صدرها وقالت والدموع تغسل وجنتيها: “الحمد لك يا ربي، حي، أنت أبقيته حيًا”. أرضعته هناك وجلست تغني له بصوت خافت بينما الشمس تشرق فوق القبور. ثم أعادت لفه ووضعته من جديد وقالت له: “اصبر يا قرة العين، سأعود غدًا”.

ما لم تكن نورا تعلمه هو أن عينًا غريبة كانت تراقبها من بعيد، من بين الأحراش. لم تكن تعلم أن هناك من كان يتبعها وأن خطاها إلى المقابر لم تكن سرًا كما ظنت. كان فهد، فتى في أوائل العشرينيات، يقيم في طرف القرية ويعمل في رعاية الأغنام. في ذلك الفجر، صادف مروره من طريق المقابر فرأى ما لا ينبغي أن يُرى. اختبأ خلف شجرة كثيفة ولم يصدق عينيه. رأى نورا تنحني إلى قبر مفتوح وتخرج رضيعًا صغيرًا ثم ترضعه وتعيده إلى داخل القبر. قال في نفسه: “أهذه نورا؟ ماذا تفعل هناك؟ هل جنت؟”. لم يتكلم ولم يقاطعها، بل انتظر أن ترحل ثم اقترب ببطء من القبر. نظر داخله ورأى الطفل نائمًا ملفوفًا بالقماش، وجهه شاحب لكنه يتنفس. وقف مذهولًا وقال بصوت مرتعش: “يا ربي، هذا ليس حلمًا، هذه جريمة!”.

ركض عائدًا إلى بيته ثم إلى صديقه الحميم عماد. قال له فهد: “لقد رأيت ما لا يصدق، نورا تخفي رضيعًا في قبر”. رد عليه عماد وهو يحدق به بريبة: “ما تقوله خطير، أأنت متأكد؟”. فقال فهد: “والله إني رأيته بعيني، ترضعه ثم تخفيه وتذهب”. هز عماد رأسه وسكت طويلًا ثم قال: “ما رأيته عظيم، لكن لا تخبر أحدًا، دعني أتحقق بنفسي”.

في تلك الليلة، لم تنم نورا. ظلت تنتظر طلوع الفجر كي تذهب مجددًا إلى ابنها. لكنها لم تكن تعلم أن رجلين سيصلان قبلها إلى المقبرة. وصل عماد وفهد مع أول خيوط الشمس. اقتربا من القبر وكان الطفل هناك، ضعيفًا وشاحبًا، لكنه حي. قال عماد بصوت خافت وهو يخرجه بلطف: “يا الله، قلب هذه الأم من أي نوع هو؟ تنقذه أم تقتله؟”. قال فهد: “لنأخذه إلى الشيخ”. فرد عماد: “لا، سنعيده كما كان، نريد أن نفهم لا أن نحكم”. وأعاداه إلى القبر كما كان ثم اختبآ في مكان لا يُرى، ينتظران قدوم نورا.

وفي لحظة، ظهرت نورا تحمل قطعة خبز وقطعة قماش جديدة. وجهها شاحب كأنها تحمل الدنيا على رأسها. اقتربت من القبر بخطوات خفيفة كأنها تخشى أن توقظ حزنًا نائمًا. جلست على ركبتيها ثم أزاحت الغطاء ببطء وهمست: “صباحك نور يا نجاة قلبي، هل جاعت بطنك الصغيرة؟”. مدّت يدها تخرجه ثم ضمته إلى صدرها وبدأت ترضعه وهي تبكي بصمت وتقول: “ما ذنبك؟ لِمَ جئت في زمن يكره الصغار؟”.

كانت العينان تراقبانها من خلف الجدار، عماد وفهد. وبينما كان فهد يغلي في داخله ويريد أن يواجهها، أوقفه عماد بيده وقال بهمس: “اصبر، أريد أن أسمع منها دون خوف”. وبعد أن أرضعت نورا صغيرها، أخرجت قطعة قماش نظيفة وغطته بها ثم قبلت جبهته وقالت: “يا ربي، هذا ولدي، إن كنت أخذتني فلا تأخذه”.

فجأة تحرك فهد من خلف الجدار وقال بصوت مرتفع: “ماذا تفعلين؟”. تجمدت نورا وارتجف قلبها وحضنت رضيعها بشراسة وقالت: “لا تقترب، هذا ابني، ابني”. خرج عماد بدوره ومد يده بهدوء وقال: “اهدئي يا نورا، نحن لم نأتِ لنؤذيك، بل لنفهم”. سقطت نورا على الأرض واحتضنت سيفًا بقوة وأجهشت بالبكاء. قالت: “إنه يريد قتله، زوجي يكرهه، يقول إنه ليس ابنه”. سألها عماد: “وهل هو ابنه؟”. فأجابت نورا بصوت مختنق: “نعم، لكنه لا يصدق، اتهمني بما لا أحتمل، أقسمت له، ضربني، كنت سأُقتل”.

اقترب عماد ببطء وجلس أمامها وقال: “وهل القبر مكان للحياة؟”. قالت: “لم أجد مأوى، لا أهل ولا صديق، وهو لو وجده لقتله بيده”. سكت عماد طويلًا ثم قال: “ستغادرين معنا الآن، لا يمكن أن يبقى في هذا المكان أكثر”. ارتبكت نورا وضمت ابنها كأنها تخشى أن يُنتزع منها. فقال عماد: “إن كنت تحبينه فاتبعي الخير، لن نتركك”. نظرت في عينيه فوجدت فيهما صدقًا لم تره منذ سنين. نهضت وضمت سيفًا إلى صدرها وقالت: “خذاني إلى حيث لا يعرفه أحد”.

غادرت نورا مع عماد وفهد. قلبها في رعب من كل خطوة. كانت قد تركت خلفها كل شيء، كل ما كانت تعيشه حتى قبر طفلها وقلوب الناس وأحلامها الضائعة. كانت السماء لا تزال رمادية والريح باردة، لكن نورا كانت تشعر بحرارة دموعها. كلما ابتعدت عن المكان الذي وضعت فيه صغيرها، كلما ضاق قلبها أكثر. كانت على يقين بأنها قد ارتكبت خطأ، لكنها لم تجد خيارًا آخر.

فهد كان يسير خلفها، عينيه لا تكف عن مراقبتها. بينما عماد سار بجانبها يحاول تهدئتها. قال عماد: “لا تندمي نورا، نحن هنا لنساعدك”. نظرت نورا إلى عماد وقالت: “ولكن ماذا عن زوجي؟ ماذا عن القرية؟ ماذا سأقول للجميع؟”. فهد زفر بملل وقال: “سنواجه كل شيء، المهم أن تكوني قوية”. لكن نورا كانت في عالم آخر، تفكر في المستقبل المظلم الذي ينتظرها. مع كل خطوة، كانت تتسارع في ذهنها أسئلة عن مصيرها ومصير طفلها. كان هناك شعور غريب يطاردها، كأنها هاربة من شيء لا يمكنها الهروب منه مهما فعلت.

وصلوا إلى أطراف القرية حيث كانت هناك أكواخ قليلة تقع على حافة الطريق المؤدي إلى الجبال. قال عماد: “هنا سنكون آمنين، يمكننا إخفاؤك لبعض الوقت إلى أن تهدأ الأمور”. لكن فهد كان يظن أن هذا ليس كافيًا وقال: “هل نحن فعلًا آمنون هنا؟ نحن لا نعرف ما الذي سيحدث عندما يكتشفون ما جرى”. قال عماد بصرامة: “لن يعلم أحد ما حدث، سنتكفل بكل شيء”.

وفي تلك اللحظة، انفجرت نورا بالبكاء وقالت: “لقد فعلت ما لا يُغتفر، هل سيغفر لي الله؟ هل سأتمكن من حماية ابني؟”. أخذها عماد بين ذراعيه وقال: “لا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل، ولكننا هنا معك، ولن تواجهي هذا المجهول بمفردك”.

ما لم تكن نورا تعرفه هو أن القرية كانت في حالة غليان. سالم زوجها قد بدأ يسأل عن غيابها وبدأ يفتش في البيوت والمزارع والمقابر. اشتبه في أنها قد هربت بشيء ما وأن ابنها مختفٍ. شعر أن هناك سرًا يخفيه الجميع عنه. ومع مرور الوقت، كان الشك يتحول إلى غضب عارم. في تلك اللحظة، سمعوا صوت صهيل حصان قادم من بعيد. كان رجال القرية قد بدأوا في البحث.

نظر عماد إلى فهد بقلق وقال: “يجب أن نختبئ، هؤلاء ليسوا هنا للبحث عن الحقيقة بل للانتقام”. لكن نورا كانت قد فقدت القدرة على التفكير. قال فهد: “لن نواجههم هنا، نذهب الآن إلى الجبال، لا وقت للانتظار”.

كان الطريق إلى الجبال بعيدًا جدًا، لكنها لا تستطيع البقاء هنا. في تلك اللحظة، التفت عماد إلى فهد وقال بصوت حاسم: “خذ نورا واذهب بها إلى الجبل، سأشتت انتباههم”. قال عماد بصوت منخفض: “إنهم يريدونها هي، أنا من سيشتت انتباههم، هناك وقت محدود”. ركض فهد بها إلى الجبال، تاركين خلفهم عماد الذي قفز نحو إحدى الأشجار ليحجب عن الأنظار.

فجأة، اقترب أحد رجال القرية الذي ظن أن نورا هي زوجة عماد وسأله: “أين هي؟ أين زوجتك نورا؟”. حاول عماد أن يظل هادئًا وقال: “لم أرها منذ ساعات، هل تبحثون عنها؟”. ولكن الرجل الذي كان يحمل سيفًا قال وهو يتقدم: “نحن نبحث عن الحقيقة، لن تنجو هي أو ابنها”. ثم قال بغلظة: “أنت متورط في هذا الأمر، وأنت تعرف أين هي”.

ركض عماد في اتجاه الجبال، بينما الرجلان ركبا حصانهما واتجها في طريق الجبال. كلما اقتربوا من الجبال كانت الرياح تعصف بالأشجار وكأن السماء نفسها تعلن عن كارثة وشيكة. بينما كانت نورا وفهد يركضان، كان قلبها يخفق بشدة. بدأ صراخ سالم وزملائه يعلو في الأفق وكان هناك يقين بأنهم قادمون وأن النهاية تقترب أكثر فأكثر.

كان الليل قد بدأ يهبط على الجبال. قالت نورا بصوت خافت: “أين سنذهب؟ إلى أين تأخذني؟”. رد فهد وهو ينظر إلى الطريق الجبلي الوعر: “إلى مكان آمن بعيد عن أعين الناس، سنتجنب الطريق الرئيسي وسنظل نتنقل ليلًا”. ولكن في تلك اللحظة، كان صوتهما قد وصل إلى آذان رجال القرية.

سالم كان قد اقترب من الجبال مع مجموعة من رجال القرية والغضب يشتعل في عينيه. هو الآن لا يبحث عن نورا فحسب، بل عن الانتقام. قال سالم بصوت عالٍ: “أين هي؟ أين اختفت؟”. بينما كان عماد يراقب الوضع من نقطة عالية، كان فهد يختبئ خلف صخرة ضخمة مع نورا. قال بصوت خافت: “علينا أن نتحرك الآن”.

فجأة، اقترب منهما عماد الذي كان قد وصل عبر دروب أخرى وقال: “أريد أن أخبرك بشيء”. قال فهد بقلق: “ماذا هناك؟”. أجاب عماد: “الرجال في أسفل الجبل يعرفون مكاننا الآن، لكن هناك شيء يجب أن تعرفيه، سالم ليس كما يبدو”. كانت الكلمات التي خرجت من عماد تحمل الكثير من الغموض مما جعل نورا تشعر برعب أكبر. قالت: “ماذا تعني؟ ماذا يخفي عني؟”. رد عماد: “سالم ليس والد الطفل”. صعقت نورا بما سمعته. قالت: “ماذا؟ كيف يمكن أن يكون ذلك؟”. أشار عماد إلى نفسه وقال: “أنا عرفت كل شيء عن ماضيه، هو لم يكن يريد الطفل وكان يخطط للتخلص منه منذ البداية”.

ركضوا جميعًا في صمت بين الصخور الجبلية. بعد أن ابتعدوا قليلًا، توقفت نورا وجلست على صخرة. قالت: “هل سنبقى نهرب طيلة حياتنا؟”. قال فهد: “الهروب ليس النهاية، لكنه الطريق الوحيد الآن حتى نصل إلى بر الأمان”. لكن عماد بقي صامتًا للحظات ثم قال: “نورا، لا بد أن تعرفي شيئًا، ما قلته لك لم يكن كاملًا”. رفعت نورا عينيها والدموع قد تجمعت فيها وقالت: “أي جرح بعد لم ينكشوه؟”. تنهد عماد وقال: “سالم لم يكن يكره الطفل لأنه يشك في نسبه، بل لأنه كان تحت تأثير شيء آخر”. قالت باستغراب: “تأثير ماذا؟”. قال: “سحر، لقد تعرض لسحر قديم كانت أمه من صنعته ليبتعد عنك ويكرهك ويرفض ابنك”. صدمت نورا واتسعت عيناها.

قالت أخيرًا: “كنت أشعر أن شيئًا تغير فيه فجأة، لم يكن كذلك من قبل، كان حنونًا”. هز عماد رأسه وقال: “كنت أراقب الأمر بصمت، لكنني عرفت الحقيقة متأخرًا، وامه… أمه لم تكن امرأة عادية بل كانت تتعامل مع امرأة تدعى رقية”. نطقت نورا الاسم بصوت مرتعش: “رقية؟ تلك العجوز التي كانت تزورنا سرًا وتتمتم بكلمات غريبة؟”. قال فهد: “هي نفسها، ومن يومها تغير كل شيء، والسحر الذي صُنع لسالم كان من النوع المظلم”. قالت نورا: “وكيف نبطل هذا السحر؟”. قال عماد: “هذا ما سنحاول اكتشافه، لكننا أولًا نحتاج إلى حماية الطفل فهو في قلب هذا السر”.

في تلك اللحظة، سمعوا وقع أقدام تقترب. صمت الجميع وتسلل الرعب إلى قلوبهم. فجأة، خرج رجل من بين الأشجار، لم يكن من رجال القرية بل كان غريبًا. قال بصوت خافت: “تبحثون عن الحقيقة إذًا، اقتربوا، فأنتم تسيرون على طريق مظلم لا رجعة منه”. تجمد الجميع في أماكنهم. قالت نورا: “من أنت؟”. أجاب: “من يبحث عن الحقيقة عليه أن يستعد لدفع ثمنها”.

رفع الغريب رأسه وكشف عن عين يملؤها السواد ثم قال: “أنا خادم من عايشوا الظلمة، كنت يومًا بين أهل قريتكم لكنهم نبذوني كما سينبذونكم”. سأله عماد: “هل تعرف عن السحر؟ عن المرأة التي تدعى رقية؟”. هز الغريب رأسه وقال: “رقية؟ تلك التي كانت تزرع الخراب في قلب كل بيت؟ أعرفها جيدًا، بل كنت تلميذًا لها قبل أن أهرب من لعنتها”. تقدمت نورا وقالت برجاء: “ساعدنا أرجوك، أريد استعادة زوجي، أريد أن يعيش ابني بأمان”.

اقترب الغريب منها وقال: “الأمر ليس بهذه البساطة، زوجك ليس تحت سحر عادي بل سحر من النوع النادر يربط بالنفس والدم”. سأل عماد: “وماذا يعني هذا؟”. قال الغريب: “يعني أن الطفل نفسه جزء من العقد، فالسحر رُبط بهما معًا، إن فُكّ عن واحد يتأذى الآخر”. تراجعت نورا إلى الخلف وقالت: “مستحيل، هذا لا يعقل”. أجاب الغريب: “أحيانًا يكون الجنون هو الحقيقة التي لا نريد تصديقها”.

تابع الغريب كلامه وهو يخرج من جيبه قطعة قماش سوداء عليها رموز غريبة وقال: “هذه وثيقة العقد، احتفظت بها سرًا منذ أعوام، من دونها لا أمل في كسر الطوق”. سأله فهد: “ما المطلوب منا؟”. أجاب الغريب: “أن تعيدوا الطفل إلى المقابر”. صرخت نورا: “لا، لن أعيده هناك، لن أتركه وحده مجددًا”. رد الغريب بحزم: “ليس لتتركوه، بل لتبدأ الطقوس، هناك كُتب العقد وهناك فقط يمكن فكه”.

اشتعلت نار التردد داخل صدر نورا. اقترب فهد منها وقال: “ربما هذه فرصتنا الوحيدة يا نورا، لن ينتهي الكابوس إلا هناك”. نظرت نورا إلى السماء وقالت: “إذا كان لا بد من الألم، فليكن في سبيل نجاته”. نظر الغريب إليهم ومد يده بالوثيقة قائلًا: “عند الفجر نلتقي في المقابر”. ثم اختفى كما ظهر.

مع بزوغ الفجر، بدأت نورا وفهد وعماد في التسلل عبر الطرق الوعرة باتجاه المقابر القديمة. قالت نورا: “أريد أن أنقذ زوجي، أريد أن أعيده كما كان”. قال فهد: “هل نعلم حقًا ما الذي نواجهه هناك؟”. أجاب عماد بهدوء: “لا نعرف، لكننا لا نملك خيارًا آخر”.

وصلوا إلى المقابر، وقفت نورا أمام قبر ضخم وقالت: “هنا حيث تركته وهنا قد أبدأ النهاية”. وقف الغريب قريبًا منهم وقال: “هل أنتم مستعدون؟”. ردت نورا: “نعم، نريد أن ننقذهم، زوجي وابني”. أخرج الغريب قطعة من القماش الأسود وبدأ بقراءة كلمات غريبة. قال: “السحر قديم جدًا، وكلما كان أعمق كان الثمن أكبر”.

في تلك اللحظة، ارتجت الأرض تحت أقدامهم وظهر ضوء خافت. سمعوا صوتًا يقترب. قال عماد: “هل هو؟”. قال الغريب: “إنه العودة”. فجأة تفجر القبر وظهرت رقيه، العجوز التي لطالما تحدثوا عنها. قالت وهي تبتسم: “لقد أتيتم إلى هنا لتواجهوا الظلام، ولكن الظلام هو ما سيحكم عليكم”.

تحدت نورا خوفها وقالت: “لن أترككم تدمرون حياتي مرة أخرى، أريد استعادة زوجي”. قالت رقيه بسخرية: “لا يمكنك استعادته فكل شيء قد انتهى”. ثم فجأة، ظهر أمامهم سالم، ولكنه لم يكن كما كان. كانت عيونه فارغة وأصابعه ملتوية، وكأنه روحه قد ضاعت.

نظرت نورا إليه وقالت بخطوات ثابتة: “سالم، هل تسمعني؟ أنا نورا زوجتك”. لكن سالم لم يجب، رفع يده وأطلق صرخة مدوية. قالت رقيه بسخرية: “إنه ليس هو، بل هو الآن جزء من اللعنة التي خلقناها له”. صرخت نورا: “لا أصدق ذلك، سالم هو زوجي أنا أعرفه”. لكن سالم نظر إليها بعينيه الميتتين ثم همس بصوت منخفض: “أنت لست نورا، أنت الشبح الذي ابتلع في ظلامي”.

نورا التي كانت لا تزال متمسكة بالأمل قالت: “سالم، ارجوك عد إلي، عد إلى سيف، أحتاجك”. تحرك سالم نحوها بخطوات ثقيلة وقال: “لا مفر، لا مفر من الظلام”. قالت رقيه: “إذا أردت استعادته، فلا بد أن تدفعي الثمن”.

نورا رغم كل الوجع، رفضت أن تصدق أن زوجها قد تغير إلى هذا الحد. بدأت تردد كلمات قديمة كانت تعلمها في أعماقها. في لحظة ما، تغيرت ملامح سالم، كأن شرارة من الوعي قد أضاءت في عينيه. قال بصوت ضعيف: “نورا، أرجوك أنا لا أريد هذا”. صرخ بوجه رقية: “لا أريد هذا، أنا لا أريد أن أكون جزءًا من هذه اللعنة”. تراجعت رقية، لكن سالم كان يواصل التحدي.

قالت نورا وهي تمسك يده: “إذا كان الظلام قد دخل إلى حياتك، فسنحارب معًا لنخرجه”. ثم أغمضت عينيها وتذكرت كلمات والدتها: “الظلام لا يُهزم إلا بالضوء”. فجأة، بدأت نورا بالترنيم بصوت منخفض تلك الكلمات التي كانت تعلمها في طفولتها. بدأ سالم يشعر بقوة غير مرئية تحرر روحه من قبضة الظلام. بدأت الظلال تتراجع شيئًا فشيئًا، كأن لعنة رقية بدأت بالزوال.

صرخت رقية بغضب: “لا، هذا مستحيل!”. لكن الظلام كان يتلاشى أمامهم. قال الغريب: “الآن قد تغير كل شيء، لقد استعدتم قوتكم”. بدأ سالم يستعيد عافيته وعيناه تعودان للوهج البشري. ابتسم أخيرًا وقال: “أنت معي الآن نورا، نحن معًا لن نفترق”.

لكن رقيه كانت لا تزال تصارع، وقالت: “لن أدعكم تفلتون، لن أترككم”. ولكن قوتها بدأت تضعف والظلال التي كانت تحيط بها تتفكك بسرعة. وبينما كانت تختفي في الظلام، نظرت نورا إلى زوجها بحب عميق وقالت: “لقد عدت سالم، سنعيش معًا في النور”.

مع هزيمة رقية، كان لابد من دفع الثمن. شعر سالم بأنه ليس نفس الشخص. سمعوا صوتًا غريبًا آتٍ من بعيد. ظهر عماد ووجهه شاحب يحمل شيئًا غريبًا. قال: “لقد جئتم في وقت خاطئ، إنكم لا تدركون ما الذي فعلتموه”. قال سالم: “هل تعني أننا لم نكن أحرارًا بعد؟”. أجاب عماد: “السحر لا يُكسر بسهولة، هناك شيء ما سيحدث، اللعنة التي كانت على سالم لم تختفِ تمامًا”.

فجأة، ظهرت شخصية غريبة وسط الضباب، كانت رقية، ولكنها لم تكن كما كانوا يتوقعون. كانت روحها تتناثر في الهواء. قالت: “لقد هزمتني، لكنني سأظل معكم إلى الأبد، إن الظلام لن يذهب إلا إذا ضحيتم”. قالت نورا: “ماذا يعني هذا؟”. أجابت رقية: “الظلام يأتي في أشكال مختلفة، لا يمكن للضوء أن يهزمه لكنه قد يحتاج إلى قوة أكبر، تذكروا هذا”.

وبينما كانت الأرض تهتز، بدأ سالم يشعر بشيء غريب يدخل إليه مرة أخرى. قالت نورا: “لا سالم، لا يمكننا العودة إلى هناك”. لكن سالم قال بحزن: “لا أستطيع منع هذا، يبدو أن هذا هو الثمن الذي لا مفر منه”.

أدرك الجميع أن التحدي الحقيقي لم يبدأ بعد. قالت رقيه: “لقد ضحيتما بالعديد من الأشياء لتنجوا، ولكنكم لم تدركوا بعد أن ثمن ذلك هو حياتكم”. صرخ سالم: “كفى، لا أريد أن أكون جزءًا من هذا الظلام بعد الآن”.

قالت نورا بنبرة مليئة بالعزيمة: “لن ندع الظلام يسيطر علينا، نحن أناس أقوياء”. وبينما كانت نورا تستعد لمواجهة الظلام بعزم، بدأ سالم يشعر بنور ضعيف يتسلل إلى قلبه. قال: “هل يمكن أن يكون هناك أمل حتى في الظلام؟”. وقفت نورا أمام سالم ووضعت يدها على قلبه وقالت: “نعم هناك أمل، هناك دائمًا أمل”. ثم بدأت تردد كلمات قديمة: “من رحم الظلام يولد النور”.

فجأة، بدأت الظلال تتراجع. صرخت رقية وهي ترى أن قوتها تتناقص: “لن تدمروا كل شيء!”. لكن مع كل كلمة كانت نورا تقولها، كان الظلام يتراجع حتى اختفى أخيرًا. قال سالم: “لقد عدت، نعم عدت”.

بعد المعركة، ساد الهدوء. سألت نورا: “هل نحن حقًا في أمان الآن؟”. أجاب سالم: “أعتقد أن الظلام قد زال، لكن لا يمكننا أن نغفل عن شيء واحد”. قالت نورا: “ما هو؟”. قال سالم: “أن المعركة كانت ضد الظلام الذي كان يحاول تدميرنا، لكنني الآن أدرك أنه كان جزءًا منا، جزءًا من تاريخنا”. أضاف: “قد يكون الثمن هو أننا لا نستطيع الهروب من الماضي”.

نورا التي كانت دائمًا مصدر القوة، قررت أن الماضي يجب أن يُغفر حتى لو لم يُنسَ. قالت: “لن أعيش في ظل الماضي بعد الآن، أريد أن أبني مستقبلًا جديدًا معك، مع سيف”. قال سالم: “نعم، نبدأ معًا من جديد”. اقترب سيف منهم وقال: “أمي، أبي، هل سنعيش الآن بسلام؟”. أجاب سالم: “نعم سيف، سنعيش بسلام، بدأنا صفحة جديدة”.

لكن عماد اقترب منهم وقال: “لا تظنوا أن هذه المعركة انتهت تمامًا، الظلام قد يختفي للحظة لكنه يعود دائمًا في أماكن أخرى”. قالت نورا: “سنكون مستعدين مهما عاد الظلام”. جاء الغريب وقال بحكمة: “لقد أثبتم أنكم أقوى مما توقعت، ولكن تذكروا، الحياة لا تأتي دون تحديات جديدة، ولكنكم الآن تعلمون كيف تواجهون الظلام”. ابتسمت نورا وقالت: “سنواجه كل شيء معًا، وستظل قوتنا في وحدتنا”.

مرت الأيام وبدأت الحياة تأخذ شكلها من جديد. لكن رغم الضوء الذي كان يشع، كان هناك شعور غريب بالقلق يلوح في الأفق. قال سالم لنورا: “هل تعتقدين حقًا أننا نعيش بسلام الآن؟”. أجابت نورا بصوت منخفض: “نعم، لقد تخلصنا من الظلام، وكل شيء سيكون على ما يرام”. لكنها لم تكن تشعر بالطمأنينة.

في صباح اليوم التالي، حدث ما لم يتوقعه أحد. سمعوا أصواتًا غريبة. فهد اقترب وقال: “هناك شيء غير طبيعي يحدث هناك”. سأل سالم: “هل تعتقدون أن الظلام عاد؟”. أجاب فهد: “لا أعلم، لكن هناك قوة غريبة في تلك المنطقة، يمكن أن يكون هناك شيء يهددنا”.

قرروا أن يتوجهوا نحو المصدر. وصلوا أخيرًا إلى المكان وكانت المفاجأة غير متوقعة. رقية كانت هناك، ولكنها لم تكن كما كانوا يتوقعون. كانت تقف وسط مجموعة من الأشخاص الذين يغمرون أنفسهم في طقوس غريبة. قال سالم: “ألم تكفِ تلك المعركة؟ لماذا تعودين؟”. ابتسمت رقيه وقالت: “أنت لا تفهم، الظلام لا يذهب بسهولة، ويجب أن يكون هناك من يواصل المهمة، كل شيء بدأ مجددًا”. أضافت: “لقد تخلصتم من الظلام القديم، لكن الجديد قد بدأ، سنعيش دائمًا في هذا الصراع لأن الظلام لا يرحم”.

قالت نورا: “لن نسمح لك بالتحكم فينا بعد الآن”. لكن رقية كانت قد بدأت تتحول وقوتها تتجسد. قالت: “إذا كنتِ تعتقدين أن الظلام يمكن أن يختفي، فقد أخطأتِ، ولكنكِ ستكونين الحلقة الأضعف”.

انقضّت مجموعة الأشخاص، لكن سالم اندفع إلى الأمام قائلًا: “لن نسمح لك مجددًا، نحن أقوى من الظلام”. وسط الفوضى، اندفع سيف للمرة الأولى إلى قلب المواجهة، رافعًا صوته: “لن تفرقونا بعد الآن، أنا ابن النور وسأطفئ ظلامكم”. تفاجأ الجميع بقوة صوته. تصدع محيط الظلال حول رقية وتراجع أتباعها. أدركت رقية أن قوة الأسرة قد أصبحت حصنًا منيعًا.

قالت رقية بسخرية: “النور لا يكفي دائمًا”. لكن نورا تقدمت منها وقالت بحزم: “بل يكفي حين يكون نابعًا من قلب أم”. صرخت رقية وتلاشت. عاد الهدوء. جلس سالم ونورا وسيف تحت شجرة زيتون قديمة. قال سيف: “هل هذا هو الأمان الذي كنتِ تحلمين به؟”. أجابت نورا: “بل هذا هو الأمان الذي صنعناه معًا”. سأل سالم ولده: “من علمك كل هذا؟”. فابتسم سيف وقال: “الحب حين يكون حقيقيًا يعلمك كل شيء”.

مرت سنوات وأصبح سيف شابًا يحدث أهل القرية عن الأم التي وضعت ابنها في المقابر فرزقه الله الحياة من جديد. لم يعرف أحد كل التفاصيل لكنهم كانوا يبكون كلما سمعوا القصة. أما نورا، فكانت تجلس في كل مساء تشعل مصباحًا صغيرًا وتقول: “هذا النور ما خُلق إلا ليهزم الظلام

قصة كريم والصندوق الملعون، رحلة الانتقام والوفاء في قلب الصحراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *